الجمعة، 27 يناير 2012

جريمة الشيعة


إن الشيعة في بغضهم لشيخي قريش: أبي بكر وعمر -وزيرا رسول الله وحبيباه-رضي الله عنهما_قد ارتكبوا جرما شنيعا أهوى بهم في ظلمات الحضيض، وفتح عليهم أبواب كل مُسْتَقبح من الفعل والاعتقاد!!!

أبو بكر الصديق عتيق الله من النار


- كان مولد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بمكة بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر وأيام، وكان اسمه في الجاهلية "عبد الكعبة"؛ فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله.
- أسلم رضي الله عنه وهو ابن سبع وثلاثين، وعاش في الإسلام ستا وعشرين سنة، وهو أول من أسلم من الرجال.
-لقب رضي الله عنه عَتِيقاً
لعتقه من النار، عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر: "يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار" قالت : فمن يومئذ سمي عتيقا" [رواه الحاكم في مستدركه].
- هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان رفيقه في الغار. وفي الغار لقنه مراقبة المعية على ما في الكتاب المجيد، وذلك أنّه لما أحس النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر الصديق رضي الله عنه الحزن الذي هو من مقتضيات غلبة البشرية نهاه عن ذلك بقوله: (لا تحزن)، ولكون الامتثال به متعسرا بل متعذرا بالنسبة إليه في تلك الحالة لعدم الوقوف على ما يندفع به الحزن مع كونه اضطرابا عقبه بقوله: (إن الله معنا) إرائة له ما يندفع به الحزن لأن الشرع لا يكلف إلا بما في الوسع أي لاحِظ ورَاقِب معية الله بنا لأن من راقب المعية الإلهية واضمحل في تلك الحالة البهية لا يستوليه الحزن وغيره من مقتضيات البشرية لحصول الانسلاخ عنها في تلك الحالة السنية!
- طلب الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم في الغار مشاهدة سر المعية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تلك بمداومة ذكر الله تعالى"، فلقنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذكر الخفي القلبي باسم الذات هناك.

أهل الصفة رضي الله عنهم


((وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (الأنعام:52).
يروي ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم و
طيب قلوبهم فقال: "أَبْشِرُوا يا أصحاب الصُّفَّة؛ فمن بقي من أمتي على النَّعْت الذي أنتم عليه راضياً بما هو فيه فإنه من رفقائي يوم القيامة" أورده السيوطي في جمع الجوامع.
منهم:
1- مؤذن حضرة الجبار، ومختار سيدنا محمد المختار: بلال بن رباح رضي الله عنه.
2- حبيب الله الحكيم، ومحرم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم: أبو عبد الله سلمان الفارسي رضي الله عنه.
3- قائد المهاجرين والأنصار، والمتوجه إلى الله الغفار: أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجراح رضي الله عنه.
4- مختار الأصحاب وزينة الأحباب: أبو اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنه.
5- كنز العلم وخزينة الحلم: أبو مسعود عبد الله بن مسعود الهذيلي رضي الله عنه.
6- المتمسك بباب الحرمة، المبرأ من العيب والتهمة: عتبة بن مسعود أخو عبد الله رضي الله عنه.
7- سالك طريق العزلة والمعرض عن مصائب الزَّلة: المقداد بن الأسود رضي الله عنه.
8- راعي مقام التقوى، الراضي بالبلاء والبلوى: خباب بن الأرت رضي الله عنه.
9- قاصد باب الرضا وطالب اللقا في الفنا: صهيب بن سنان رضي الله عنه.
10- درج السعادة، وبحر القناعة: عتبة بن غزوان رضي الله عنه.
11- أخو الفاروق المعرض عن الكونين والمخلوق: زيد بن الخطاب رضي الله عنه.
12- صاحب المجاهدات في طلب المشاهدات: أبو كبشة سليم مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنه.
13- العزيز التائب وعن كل الخلق آيب: أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي رضي الله عنه [آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبادة بن الصامت رضي الله عنه ].
14- عابر طريق التواضع وسالك محجة التقاطع: سالم مولى أبي حذيفة اليماني رضي الله عنه [آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنه].
15- الخائف من العقوبة والهارب من طريق المخالفة: عكاشة بن محصن رضي الله عنه.
16- زين المهاجرين والأنصار وسيد بني قار: مسعود بن الربيع القاري رضي الله عنه.
17- حافظ أنفاس النبي صلى الله عليه وسلم، وباب كل الخيرات: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
18- شبيه عيسى في الزهد وبدرجة موسى في الشوق: أبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه.
19- المقيم في الاستقامة والمستقيم في المتابعة: صفوان بن البيضاء رضي الله عنه.
20- صاحب الهمة والخالي من التهمة: أبو الدرداء عويمر بن عامر رضي الله عنه.
21- شرف كيمياء الدين، وصدف در التوكل عبد الله بن بدر الجهني رضي الله عنه.
22- المتعلق بباب الرجاء ومختار رسول مالك الملك: أبو لبابة ابن عبد المنذر رضي الله عنه.
أما "أبو هريرة" و"معاذ بن الحارث" و"سائب بن الخلاد" و"ثابت بن الوديعة" و"أبو عيسى بن ساعد" و"سالم بن عمير بن ثابت" و"أبو اليسر كعب بن عمرو بن وهب بن معقل" و"عبد الله بن أنيس" و"الحجاج بن عمرو الأسلمي" رضوان الله عليهم أجمعين. فقد كانوا منهم وإن تعلقوا من حين لحين بسبب، ولكنهم كانوا جميعا بدرجة واحدة.
وفي الحقيقة كان قرن الصحابة خير القرون، وفي كل درجة كانوا فيها كانوا أحسن الخلق وأفضلهم في كل فن، بعد أن وهبهم الله صحبة النبي عليه الصلاة والسلام وحفظ أسرارهم من جميع العيوب.

أسماء العشرة المبشرين بالجنة


1- سيدنا الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

2- سيدنا الإمام عمربن الخطاب الفاروق رضي الله عنه.

3-سيدنا الإمام عثمان بن عفان ذو النورين رضي الله عنه.

4-سيدنا الإمام على ابن أبى طالب المرتضى رضي الله عنه.

5- سيدنا الإمام الزبير بن العوام رضي الله عنه.

6- سيدنا الإمام سعيد بن زيد رضي الله عنه.

7- سيدنا الإمام أبو عبيده بن الجراح رضي الله عنه.

8-سيدنا الإمام طلحه بن عبيد الله رضي الله عنه.

9- سيدنا الإمام عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

10-سيدنا الإمام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

الاثنين، 9 يناير 2012

الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام


خرج الإمام علي زين العابدين رضي الله عنه من المسجد فلقيه رجل فسبّه وبالغ في سبه وأفرط، فعاد إليه العبيد والموالي، فكفهم عنه وأقبل عليه وقال: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى إليه خميصة [ثوب أسود]، وألقى إليه خمسة آلاف درهم، فقال الرجل: أشهد أنك من أولاد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- ولقيه رجل فسبَّه، فقال له: يا هذا بيني وبين جهنم عقبة إن أنا جزتها فما أبالي بما قلتَ، وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول.
- حج هشام بن عبد الملك في زمن عبد الملك أو في زمن الوليد، فلما طاف جهد أن يستلم الحجر فلم يطق لزحام الناس عليه، فنصب له منبرٌ، وجلس ينظر إلى الناس، إذ أقبل علي بن الحسين رضي الله عنه من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، فطاف بالبيت، فكان كلما بلغ الحجر تنحى الناس له حتى يستلمه.
فقال رجلٌ من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه المهابة ؟ فقال هشام: لا أعرفه - مخافة أن يرغب الناس فيه - وكان حوله وجوه أهل الشام والفرزدق الشاعر، فقال الفرزدق: لكنني أنا أعرفه، فقال أهل الشام: من هذا يا أبا فراس ؟ فقال:
هذا سليل حسين وابن فاطمة *** بنت الرسول الذي انجابت به الظّلم
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأته *** والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهمو *** هذا النّقي التّقي الطاهر العلمُ
إذا رأته قريشٌ قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
يرقى إلى ذروة العزّ الذي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلمُ
يُغضي حياءً ويُغضى من مهابته *** فلا يكلّم إلا حين يبتسم
من جدّه دان فضل الأنبياء له *** وفضل أمته دانت له الأمم
ينشقّ نور الهدى عن نور غرّته *** كالشمس تنجاب عن إشراقها الظّلم
مشتقة من رسول الله نبعته *** طابت عناصرها والخيم والشّيم
هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهلُه *** بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله شرّفه قدماً وفضّله *** جرى بذاك له في لوحه القلمُ
فليس قولك: من هذا, بضائره *** العربُ تعرفُ من أنكرتَ والعجم
كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما *** يستو كفان ولا يعروهما العدم
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم
لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبَته *** رحبُ الفناءِ أريب حين يعتزم
من معشرٍ حبّهم دين وبغضهمو *** كفرٌ وقربهمو منجىً ومعتصم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتهم *** أو قيل: من خير أهل الأرض؟ قيل: همو
لا يستطيع جوادٌ بعد غايتهم *** ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمةٌ أزمت *** والأسد أسد الشّرى والبأس محتدمُ
لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهم *** سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
يستدفع السوء والبلوى بحبّهمو *** ويستردّ به الإحسان والنعم
مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهمو *** في كل أمرٍ ومختومٌ به الكلم
يأبى لهم أن يحلّ الذّلّ ساحتهم *** خيمٌ كريم وأيدٍ بالندى هضم
أيّ الخلائق ليست في رقابهمو *** لأوّليّة هذا أو له نعم
من يشكر الله يشكر أوليّة ذا *** فالدّين من بيت هذا بابه الأممفلما سمع هشام هذه القصيدة، غضب وتنغص عليه يومه، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة.
وبلغ ذلك علي بن الحسين رضي الله عنه، فبعث إليه بأربعة آلاف درهم، فردها الفرزدق، وقال: ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليها شيئاً، فردها عليه.
وقال: بحقي عليك إلا قبلتها، فقد علمت أنا أهل بيت إذا أنفذنا أمراً لا نرجع فيه، وقد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، والجزاء عليه تعالى. فقبلها.
وفي رواية فبعث باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذرنا أبا فراس لو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك بها.

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

المأساة والعظمة: الجزء الأخير

••٠••●مواكب العرسان إلى جنة الرحمن●••٠••

وتقدم آل بيت الحسين..
تقدم أبناء الرسول نحو مصائرهم العظيمة..لم يعد الذي يضنيهم، الظمأ إلى الماء الذي حرمهم منه المجرمون.
بل الظمأ إلى الشهادة.. والشوق إلى الجنة!! لقد كانوا في لحظاتهم المجيدة تلك، يشمون عبير جدهم الرسول.. وجدتهم خديجة.. وعبير حمزة.. وجعفر.. وعلي.. وفاطمة.. فيدركون أنهم صاروا في الجنة على قرب ذراع، فينطلقون نحوها في هيام..!!
وكان أولهم انطلاقا علي بن الحسين.. فتى لم يجاوز التاسعة عشرة من عمره!!
انظروا!!
ها هوذا - في نضرة شبابه.. وريعان إهابه.. في روعة بأسه وشرف نفسه.. يتوسط حراب الأعداء وسيوفهم، وهو ينشد:
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن ورب البيت، أولى بالنبي
تالله، لا يحكم فينا ابن الدعي
تماما، كما كان يصنع من قبل جده الإمام علي حين كان يقتحم المعارك في عنفوانه اللجب، وهو يزأر:
(أنا الذي سمتني أمي حيدره
كليث غابات، كريه المنظرة
أوفيهموا بالصاع كيل السندرة
هاهوذا، ابن التاسعة عشرة، يعيد إلى الحياة مرة أخرى بطولات جده العظيم.
ذرية بعضها من بعض!!
ويمضي، يضرب ويضرب.. حتى تصيبه طعنة رمح، فيقع على الأرض، وقبل أن يتحامل على جراحه لينهض من جديد كانت عشرات السيوف الباغية قد مزقت جسده الغض الشريف!!
ويراه الحسين.. مجد الله الحسين - فيسرع نحوه.. ويسرع معه شباب بني هاشم..!!
وفي رباطة جأش تذهل كل حي، حمل البطل ابنه الحبيب، ثم سجاه على ذراعي واحد من بني عمومته، وأمره أن يذهب به إلى فسطاطه.
ولا تكاد الطاهرة البتول زينب بنت علي رضي الله عنها وأرضاها.. لا تكاد تبصر جثمان ابن أخيها حتى تعلو زفرات أساها.. أهذا الذي كان من دقائق معدودة، يملأ الأعين، شبابه، وبهاؤه، وسناؤه..؟؟
هنالك انكبت على الأشلاء الطاهرة الناضرة، تضمخها بدموعها وشجنها..
وأثر في البطل مشهد أخته، فسار إليها يسألها الصبر.. ويقودها في رفق إلى خبائها.
وعاد هو إلى ساحة القتال..
لم يكن هناك على أرض المعركة سوى أهل بيته..
أما أصحابه وأنصاره، فقد رحلوا جميعا شهداء ممجدين.!
ولقد استفتح آل البيت بفتاهم العظيم علي بن الحسين.
ومن بعده تقدموا جميعا كالصقور الكواسر..
* ها هم أولاء إخوته لأبيه:
عبيد الله بن علي بن أبي طالب.. وجعفر.. وعثمان.. ومحمد الأصغر.. وأبو بكر.. والعباس.. يقذفون بأنفسهم وسط الهول، وأخوهم العباس يهتف فيهم قائلا:
(تقدموا، حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله).
فيتقدمون إلى قلب الجيش المسعور بسيوفه العاوية، ورماحه الباغية.
وكلما لمحوا خطرا يقترب من أخيهم البطل الحسين تلقوه بأجسادهم حتى سقطوا جميعا صرعى.. بل قولوا: صعدوا جميعا شهداء..!!
وعلى ثراها تمددت أجسادهم الكريمة يسبقها جثمان العباس بن علي الذي كان لبهاء طلعته، وتألق شخصيته، يلقب به قمر قريش!!
* * *
 وتقدم أبناء الحسين وأبناء الحسن:
أبو البكر بن الحسين... وعبد الله بن الحسين.. والقاسم بن الحسن..
* كما تقدم أبناء جعفر بن علي بن أبي طالب:
عون.. ومحمد.. وعبد الله..
* وأبناء عقيل بن أبي طالب:
عبد الله الأكبر.. وعبد الله الأصغر.. وجعفر..
* وأبناء مسلم بن عقيل الذي قتله ابن زياد بالكوفة:
محمد.. وعبد الله..
* كما تقدم محمد بن أبي سعيد بن عقيل..
تقدموا جميعا في بطولة تتحدى نفسها!!
واندفع أصغرهم سنا - القاسم بن الحسن - يهز سيفه في الهواء الساخن، ثم يهوى به فوق الأعناق الضالة الظالمة، حتى نالته، سيوفهم فهوى كالنجم، ينادي: يا عماه..!!
ونسي الحسين ما حوله من هول، وانطلق كالصقر صوب قاتل ابن أخيه، حيث شد الليث وضربه بسيفه، فبتر يده الشقية ثم طرحه أرضا، حيث داسته خيل جيش ابن زياد، فهلك تحت حوافرها..
وانثنى البطل نحو ابن أخيه يضمه، ويشمه، ويتملى في جسده المثخن، رونق، الزهور..!!
ولأول مرة سالت عبرات الأسد، وقال يخاطب الجثمان المسجى بالمجد.
(عزيز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك.. أو يجيبك فلا ينفعك في يوم، كثر واتره.. وقل ناصره..)!!
ثم حمله بين ذراعيه، إلى حيث أرقده بجوار ابنه علي، ثم عاد لهول المعركة من جديد.!!
لك الله، أبا عبد الله!!
وهل اختارتك المقادير لهذا العبء الذي يدغدغ الجبال، إلا وأنت له كفؤ وبه جدير؟؟
ألا صبرا آل محمد.. فهذا دوركم في الحياة، وحظكم من الدنيا..
يا سادة الآخرة، ويا ملوك الجنة..!!
راح الأبرار يسقطون في الحومة أبطالا.. والحسين يصول هنا..ويقاتل هناك.. ودمه الزكي يتفجر من فمه الذي اخترمه سهم وهو يحاول أن يأخذ جرعة ماء..!!
ووقف وحيدا أمام أعدائه..
فقد رحل الأهل جميعا، بعد رحيل الأصحاب...
كلهم عانقوا الشهادة في سبيل الحق.
وأحاط به القتلة الذين سمروا في أماكنهم، زائغة أبصارهم.. واجفة قلوبهم.
لقد كانوا - على كثرة ما اقترفوا من جريمة وسفكوا من دم – يهولهم دم الحسين فيتفادى كل منهم وزر الإجهاز على حياته.
وهنا انبعث أشقاها شمر بن ذي الجوشن فصرخ فيهم، ليختطفوا رأس البطل: فاقتربوا منه.. لكنه رغم جراحه ووحدته ينقض عليهم بسيفه.. ويخرج من الفسطاط غلام صغير، هو عبد الله بن الحسن
فيلمح قاتلا يوجه سيفه نحو عمه، فيصيح في براءة الأطفال:
(يا ابن الخبيثة أتقتل عمي).!
فيناله، ابن الخبيثة بسيفه الجبان، فيسقط على الأرض دون آن، تصيب الضربة منه مقتلا، ويسارع إليه عمه فيحمله إلى مكانه مع عمته السيدة زينب التي جلست تستقبل الضحايا، وتبصر المصاير، في تفويض الله، ورضا بقضائه!!
يواجه البطل أعداءه في جولة أخيرة، فتقع ضربة سيف على رأسه الشريف فتدميه.. فيشده بعصابة، ويحمل سيفه والدم ينزف من كل جسمه.
والمجرمون يضربون.. ويضربون.. بيد أنهم لا يزالون يرهبون دمه، ويتجنبون مقاتلته!!
ومرة أخرى، تخرج السيدة زينب من خدرها، فترى أخاها وحيدا بين الوحوش، فتتقدم إلى حيث يسمعها عمر بن سعد قائد جيش ابن زياد، وتصيح به:
(يا عمر..
أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر)؟؟!
فيطرق ابن سعد خزيا وندامة، ويصرف وجهه عنها وقد تفجرت عيناه بالدموع.. لكنه لا يستطيع أن ينسلخ من الموقف الذميم الذي ورطه فيه هواه..
ويضرع البطل إلى أخته كي تعود إلى مكانها، ثم يصيح في القتلة:
(أعلى قتلي تجتمعون؟..
إني لأرجو الله أن يكرمني بهوانكم، ثم ينتقم لي من حيث لا تشعرون).
ويطير صواب شمر بن ذي الجوشن، فينادي فرسانه من جديد، ويأمرهم أن يقفوا من وراء مشاته ورماته، ليمنعوهم عن النكوص إلى وراء.
ثم يصرخ في الرماة متوعدا إياهم المصير، عندما يرجعون لابن زياد، ويهتاج كالمسعور طالبا رأس البطل..
ويتقدم من الحسين واحد فيضربه بسيفه الأثيم على معصم يسراه، فتطير كفه، ثم يتقدم ثان فيضربه بسيفه الظلوم على عاتقه، فيقع على الأرض.. ويحسبون أنه انتهى، فينصرفون عنه، لكنهم يفاجأون به ينهض من جديد متوكئا على سيفه، فيسارع إليه آخرون موجهين إليه الضربة الأخيرة..!!
ويتقدم شمر بن ذي الجوشن، رجس البشرية كلها، فيجتز رأس البطل.. ثم يحتفظ به ليحمله هدية إلى ابن زياد، ويزيد.. تماما، كما قدم من قبل رأس (يحيى بن زكريا) عليه السلام، هدية لبغي من بغايا بني إسرائيل..!!!
* * *
كان النهار قد لفظ آخر أنفاسه..
ومالت الشمس للغروب، مخلفة وراءها شفقا عجيبا في حمرته الزاهية، ووهجه المتألق..!!
ولقد امتد على طول الأفق، وكأنه بساط وضع ومهد لتعرج عليه إلى جنان الله أرواح الشهداء..!!
وعلى غير عادة الطقس والمناخ في ذلك الحين وفي تلك الأرض، دوت طلقات قوية صادعة كأصوات الرعود.
ولقد حسبها المجرمون نذيرا لهم.. ولكن لا، فهم أهون على الله من ذلك..
إنها هي السماء، كانت تطلق مدافعها تحية..!!
تحية إجلال، للمهمة التي أنجزها الشهداء..!!
وتحية استقبال للأرواح التي كانت قد بدأت رحلة خلودها.. حيث
تتلقى من يمين الرحمن ما أعده لها من مثوبة، ونعيم، وعطاء..!!


الأحد، 18 ديسمبر 2011

المأساة والعظمة: الجزء الثالث

--------ــــــــــــــــ  أوشك القتال أن يبدأ..ــــــــــــــــــ--------
ولكن قبل أن تنقذف أول سهامه، وقع حادث عجيب..
أتذكرون الحر بن يزيد التميمي قائد الطليعة التي أرسلها ابن زياد من الكوفة.. والذي التقى بركب الحسين واضطره للنزول في كربلاء.؟؟
إنه لم يكد يرى القتال على وشْكِ البَدء، حتى أحس فداحة الجريمة التي ستلوثه، وبشاعة الوزر الذي سيحمله، وظلام المصير الذي سيكون له عند الله، فخرج بجواده من صفوف فرسانه، واقترب من قائد الجيش - عمر بن سعد - وصاح به:
- أمُقاتل أنت ذلك الرجل..؟
قال ابن سعد:
- نعم والله، قتالا أيسره أن تبتر الأيدي، وتُطَوَّح الرؤوس!!
قال الحر:
- أولستم تاركيه يرجع إلى حيث أتى، أو يضرب كما قال في الأرض العريضة..؟
قال ابن سعد:
- لو كان الأمر بيدي لفعلت.. ولكن ابن زياد يأبى ذلك..
فصاح (الحر) وهو يدفع جواده نحو صفوف الحسين (إذن، فقاتلني معه)..!!
ونزل من فوق جواده، يعانق الحسين ودموعه تتفجر من مآقيه، ويقول له: - (قد كان مني بالأمس ما كان. وقد استبان لي حقك، فجئتك أفتديك بنفسي، أفترى في ذلك توبة لي مما صنعت)..؟؟
وأجابه البطل، وهو يضمه إلى صدره النبيل:
(إنها خير توبة، فأبشر.. فأنت الحر في الدنيا.. وأنت الحر في الآخرة إن شاء الله)..!!
وكما صنع الحر بن يزيد صنع بطل آخر، هو يزيد الكندي.. لقد غادر مكانه في جيش ابن زياد، وبصق عليه، ثم انطلق يَعْدُو بجواده إلى جبهة الحسين العظيم..!!
والآن..أتبصرون ذلك السهم الذي انطلق يُمَزِّق الهواء في اتجاه الحسين وأصحابه؟؟
إنه السهم الذي قذفه - عمر بن سعد - قائد جيش ابن زياد معلنا بدء القتال..
وتلاه على الأثر، بروز صف من رجال ابن سعد يطلبون المبارزة.
ومن صفوف الأبطال خرج إليهم أكفاؤهم الأشداء..
هذا عبد الله بن عمر الكلبي.. مؤمن من الكوفة لم يكد يعلم باحتجاز الحسين عند كربلاء، حتى اصطحب زوجته معه وشد إليه الرحال.
ها هو ذا يوفي لله بيعه..
وها هوذا، يخرج إلى مبارزه، فيصرعه من فوره.
وكان استهلالا باهرا، أطار صواب الآخرين، فهجم عليه الشياطين المرقة حيث ضربه أحدهم بسيفه فطارت أصابع كفه في الهواء، لكنه انثنى على ضاربه فصرعه في لحظة..
وتكالب عليه آخرون، تنكروا حتى لشرف المبارزة وقواعدها، لاسيما حين رأوا أن جميع مبارزيهم صرعوا بأيدي الذين خرجوا إليهم من أنصار الحسين عليه السلام..
ولم يتركوا الرجل، إلا عندما أبصروا فريقا من أصحابه يقتربون منهم بسيوفهم المشرعة.. عندئذ ولوا عنه، وهو مثخن بجراحه.
واشرأبت زوجته من بعيد، فبصُرت به، وانطلقت تهرول إليه حاملة بيمناها حربة طويلة. حتى إذا بلغته راحت تحتضنه بين ذراعيها لينهض قائما وهي تقول له:
" فداك أبي وأمي..
قاتل دون الطيبين من ذرية محمد صلى الله عليه وسلم)!!
لكنه يصيح بها، ويضرع إليها كي تعود إلى خِبائها، فإذا هي تُلَعْلِع بصوتها الواثق:
(لا، لن أعود.. ولن أدعك تذهب إلى الفردوس وحدك)..!!
ولكنه يزحف بجسده المُثخن، ويدفعها أمامه نحو الخيام.
فتستعصي عليه، وتستميت دون الرجوع.
ويلمح الحسين المشهد من بعيد فيناديها:
(جزيتم عن أهل بيتي خيرا..
ارجعي يرحمك الله، فليس عليكن قتال).
وآنئذ لا غير، تمتثل وتطيع، فإنها لا تستطيع لأمر ابن الرسول صلى الله عليه وسلم عصيانا!!
ويستأنف عبد الله بن عمر الكلبي زحفه فوق أرض جاشت بالصراع، ضاربا بسيفه ذات اليمين وذات اليسار، حتى غاضت حياته تحت وطأة الهول الذي كان جسده قد تلقاه.!!
ومرة أخرى، تندفع إلى أرض القتال زوجته التي صممت على ألا يذهب قبلها. وألا يذهب دونها إلى الجنة. وراحت تبحث بين جثث الشهداء حتى وجدته، فجلست بجواره تُسَجيه بحنانها، وتضمه بكيانها، وتقبل الجراح التي رصعت جسده وهي تصيح: (هنيئا لك الجنة)..!!!
ثم ربضت إلى جواره، ويدها على مقبض سيفه، لتحرس جثمانه من الوحوش الذين كانوا يعودون إلى الشهداء، ليحتزوا رؤوسهم!!
لكن الشقي الزنيم - شمر بن ذي الجوشن - أبصرها، فأمر واحدا من شياطينه، غافَلها من الخلف وهشَّم رأسَها، وهكذا لم تحرم من صحبة زوجها إلى الفردوس الأعلى..!!
التحمت الجبهتان التحاما رهيبا.. ورأى جنود زياد كثرة القتلى الذين يسقطون منهم رغم كثرتهم الهائلة، فجُن جنونهم، وهجم فرسانهم في ضراوة..
وبرز لهم فرسان (الحسين) الذين لم يكونوا أكثر من اثنين وثلاثين فارسا، فدمروا هجومهم تدميرا، وجاوزوا الدفاع إلى الهجوم في سرعة ماحقة، وأحاطوا بفرسان ابن زياد، ثم مرقوا داخل صفوفهم يطوحون برؤوسهم كالذباب!!
وسقط في يد قائدهم عروة بن قيس فنادى عمر بن سعد من فوق صهوة جواده، كي يدركه بالرماة!! وأمر ابن سعد جيشه فتقدم بأجمعه، يتقدمه خمسمائة من الرماة..
وكبر الحسين تكبيرة هزت الأرض ونادت زلزالها، وانقذف يضرب بسيفه، فكأنه قدر، لا رادَّ لأمره.. ولا مهرب من حُكمه!!
كان يشد كالليث على غريم فيصرعه.. ثم يبصر آخر في طريقه بسيفه الغادر إلى بعض أصحابه، فينثني إليه كالصقر ويُرديه!!
وحلَّ روحُه الغلاب في أفئدة أصحابه، فاشتعل حماسهم، واتقد مَضاؤهم وامتلأت أفئدتهم المؤمنة عزما وشوقا، وراحوا يضربون ويقاتلون، في استبسال عظيم.
كانوا كلما قلَّ عددهم بوقوع الشهداء منهم، ازدادوا إقداما وقوة..
لكأنما كانت أرواح شهدائهم تستأنف بعد انطلاقها من أجسادها، نضالها وقتالها..!!!
لم يكن أصحاب الحسين يتعجلون النصر، فما أبعد النصر عن قوم يقاتلون في مثل ظروفهم وبمثل عددهم.
إنما كانوا يتعجلون الجنة، إذ لم يكن لديهم ريب في أنها المنتهى والمصير..!!
وركز رماة الأعداء ضرباتهم على الجياد التي يمتطيها فرسان الحسين فعقروها جميعا..
وهبط الفرسان إلى الأرض ليقاتلوا مع إخوانهم.
كان كل بطل من أصحاب الحسين يتكاثر عليه عشرات من جيش ابن زياد.
وهذه وحدها، ترينا كيف كانت ضراوة القتال وعظمة الاستشهاد!!
ورغم ما كان لجيش الباطل من تفوق، فقد كان الفزع من نصيبه وحده.
وليس هناك ما يصور هذه الحقيقة مثل إقدامهم على حرق المضارب والخيام التي كانت لأهل الحسين وأنصاره.
لقد أحرقوها، ليشغلوا بإطفاء نارها المندلعة تلك القلة الصامدة لقتالهم والمطوحة برؤوسهم.!!
واشتعلت الحرائق عالية، فنادى الإمام في ثبات عجيب (لا بأس.. اجعلوا الحريق وراء ظهوركم. فلا يستطيعوا اجتياز النار إليكم)..
ونجا فسطاط الإمام  من الحريق..
وفي خضم هذا الهول الذي شكله القتال الضاري الوبيل، وقف البطل يقلب وجهه في السماء!!
لقد كان ينتظر مَقْدَم عزيز لم يَخلِف قط موعده معه ذلكم هو الصلاة..!!
أجل.. لقد انتصف النهار، وجاء ميقات الظهر، وموعد صلاته.
وللصلاة في ميدان القتال طريقة خاصة.. وهكذا نادى الحسين لصلاة الظهر صلاة حرب وقتال!
هل رأى الناس شيئا كهذا، في جلاله، وجماله، وعظمته..؟
حتى الموت يَنُوشه وينوش أصحابه من كل جانب، لا يغفل عن واجب ربه، ولا عن فرائض دينه!!
ويفرغون من صلاتهم، ليواصلوا جهادهم، وقد بدأ النصف الثاني من النهار..
أي إعجاز كان هذا الذي حدث..؟؟
وكيف صمد اثنان وسبعون طيلة هذا الوقت لأربعة آلاف فارس، ورام.. وكيف ستظل بقيتهم صامدة حتى آخر النهار..؟؟
أو كلُّ هذا الثبات، يهبه الحق أتباعَه وأشياعَه..؟!
أجل، وأكثر من هذا يمنح الحق ويعطى..
* * * لقد أحاط الباقون من أصحاب الإمام الحسين به يقاتلون من حوله ويذودون عنه.. وكل أمانيهم أن تواتيهم مناياهم وهم بين يديه، أو عند قدميه..!!
* فهذا حنظلة بن سعد البشامي ينادي أعداء الحق:
(إني أخاف عليكم يوم التناد.. فإياكم وقتل الحسين، فقد خاب من افترى)..
ثم يثبت بين يديه كأنه جبل، لا تزحزحه عن مكانه عشرات السيوف والرماح التي اتخذته هدفا.. ويظل يقاتل حتى يقع شهيدا..!!
* وهذا سيف الله بن الحارس وأخوه مالك يقتربان من البطل، ويعانقانه، ثم يقولان له:
(موعدنا الجنة)!!
ويقاتلان معه ومن حوله حتى تدركهما الشهادة!!
*وهذا عبد الله بن عروة وأخوه عبد الرحمن يخوضان في صفوف الأعداء ويصليانهم سعيرا..
ويثقل جسداهما بالطعن وبالضرب والجراح، فيقعان على الأرض خائرة قواهما.. ثم لا تكاد أعينهم المجهدة تقع على البطل يقاتل وحده عشرات من الأعداء القساة حتى تنتفض فيهما من جديد عافية الأسود، ويتضرم بأسهما.. وينهضان من بين يديه في قتال مرير حتى يقع أجرهما على الله شهيدين عظيمين!!
* وهذا شوذب وعباس بن أبي شبيب ونافع بن هلال البجلي وسويد بن أبي المطاع وعشرات من إخوانهم المباركين، راحوا يقاتلون في جسارة وغبطة.. كلما سقط أحدهم جريحا نهض فوق جراحه، وسبح فوق دمائه حتى يعود فيقاتل.. ويقاتل في عزم شامخ وثبات مكين، حتى لحقوا جميعا بإخوانهم الذين سبقوهم أول النهار -زهير بن القين وعبد الله بن عمر الكلبي والحر بن يزيد ويزيد الكندي.. أولئك الأبطال الذين قاتل الواحد منهم وكأنه جيش وحده.. والذين أبلوا في المعركة بلاء يتعاظم كل وصف وكل إطراء..!!